فصل: ذكر منية الخصيب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 ذكر منية الخصيب

هذه المدينة تنسب إلى الخصيب بن عبد الحميد صاحب خراج مصر من قبل أمير المؤمنين هارون الرشيد‏.‏

ذكر منية الناسك هي بلدة من جملة الأطفيحية عرفت بالناسك أخي الوزير بهرام الأرمنيّ في أيام الخليفة الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد بن محمد ولي من قبل أخيه مدينة قوص سنة تسع وعشرين وخمسمائة وولاية قوص يومئذِ أجل ولايات مصر فجار على المسلمين واشتدّ عسفه وأذاه لهم فعندما وصل الخبر بقيام رضوان بن ولخشي على بهرام وهزيمته منه وتقلده الوزارة بعده ثار أهل قوص بالناسك في جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة وقتلوه وربطوا كلبًا ميتًا في رجله وسحبوه حتى ألقوه على مزبلة وكان نصرانيًا‏.‏

ذكر الجيزة قال ابن سيده‏:‏ الجيزة الناحية والجانب وجمعها جِيَزْ وجيز والجيز‏:‏ جانب الوادي وقد يقال فيه‏:‏ الجيزة واعلم أنّ الجيزة اسم لقرية كبيرة جميلة البنيان على النيل من جانبه الغربيّ تجاه مدينة فسطاط مصر لها في كل يوم أحد سوق عظيم يجيء إليه من النواحي أصناف كثيرة جدًّا ويجتمع فيه عالم عظيم وبها عدّة مساجد جامعة‏.‏

وقد روى الحافظ أبو بكر بن ثابت الخطيب من حديث نبيط بن شريط قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الجيزة روضة من رياض الجنة ومصر خزائن الله في أرضه ‏"‏‏.‏

ويقال‏:‏ إنّ مسجد التوبة الذي بالجيزة كان فيه تابوت موسى عليه السّلام الذي قذفته أمّه فيه بالنيل وبها النخلة التي أرضعت مريم تحتها عيسى فلم يثمر غيرها‏.‏

وقال ابن عبد الحكم عن يزيد بن أبي حبيب‏:‏ فاستحبت همدان ومن والاها الجيزة فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بما صنع الله للمسلمين وما فتح عليهم وما فعلوا في خططهم وما استحبت همدان من النزول بالجيزة فكتب إليه عمر يحمد الله على ما كان من ذلك ويقول له‏:‏ كيف رضيت أن تفرّق أصحابك لم يكن ينبغي لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحر ولا تدري ما يفجأهم فلعلك لا تقدر على غياثهم حين ينزل بهم ما تكره فاجمعهم إليك فإن أبوا عليك وأعجبهم موضعهم بالجيزة وأحبوا ما هنالك فابن عليهم من فيء المسلمين حصنًا فعرض عليهم عمرو ذلك فأبوا وأعجبهم موضعهم بالجيزة ومن والاهم على ذلك من رهطهم يافع وغيرها وأحبوا ما هنالك فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن في الجيزة في سنة إحدى وعشرين وفرغ من بنائه في سنة اثنتين وعشرين‏.‏

ويقال‏:‏ إن عمرو بن العاص لما سأل أهل الجيزة أن ينضموا إلى الفسطاط قالوا‏:‏ مَقدَمٌ قَدِمناه في سبيل الله ما كنا لنرحل منه إلى غيره فنزلت يافع الجيزة فيها مبرح بن شهاب وهمدان وذو وقال القضاعيّ‏:‏ ولما رجع عمرو بن العاص من الإسكندرية ونزل الفسطاط جعل طائفة من جيشه بالجيزة خوفًا من عدوّ يغشاهم من تلك الناحية فجعل فيها آل في أصبح من حمير وهم كثير ويافع بن زيد من رعين وجعل فيها همدان وجعل فيها طائفة من الأزديين بني الحجر بن الهبو بن الأزد وطائفة من الحبشة وديوانهم في الأزد فلما استقرّ عمرو في الفسطاط أمر الذين خلفهم بالجيزة أن ينضموا إليه فكرهوا ذلك وقالوا‏:‏ هذا مقدم قدمناه في سبيل الله وأقمنا به ما كنا بالذين نرغب عنه ونحن به منذ أشهر فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بذلك يخبره أن همداد وآل ذي أصبح ويافعًا ومن كان معهم أحبوا المقام بالجيزة فكتب إليه كيف رضيت أن تفرّق عنك أصحابك وتجعل بينك وبينهم بحرًا لا تدري ما يفجأهم فلعلك لا تقدر على غياثهم فاجمعهم إليك ولا تفرّقهم فإن أبوا وأعجبهم مكانهم فابنِ عليهم حصنًا من فيء المسلمين فجمعهم عمرو وأخبرهم بكتاب عمر فامتنعوا من الخروج من الجيزة فأمر عمرو ببناء الحصن عليهم فكرهوا ذلك وقالوا‏:‏ لا حصن أحصن لنا من سيوفنا وكرهت ذلك همدان ويافع فأقرع عمرو بينهم فوقعت القرعة على يافع فبنى فيهم الحصن في سنة إحدى وعشرين وفرغ من بنائه في سنة اثنتين عشرين وأمرهم عمرو بالخطط بها فاختط ذو أصبح من حمير من الشرق ومضوا إلى الغرب حتى بلغوا أرض الحرث والزرع وكرهوا أن يبني الحصن فيهم واختط يافع بن الحرث من رعين بوسط الجيزة وبنى الحصن في خططهم وخرجت طائفة منهم عن الحصن أنفه منه واختطت بكيل بن جشم من نوف من همدان في مهب الجنوب من الجيزة في شرقيها واختطت حاشد بن جشم بن نوف في مهب الشمال من الجيزة في غربيها واختطت الجباوية بنو عامر بن بكيل في قبليّ الجيزة واختطت بنو حجر بن أرحب بن بكيل في قبليّ الجيزة واختط بنو كعب بن مالك بن الحجر بن الهبو بن الأزد فيما بين بكيل ويافع والحبشة اختطوا على الشارع الأعظم‏.‏

والمسجد الجامع بالجيزة بناه محمد بن عبد الله الخازن في المحرّم سنة خمسين وثلثمائة بأمر الأمير علي بن الإخشيد فتقدّم كافور إلى الخازن ببنائه وعمل له مستغلًا وكان الناس قبل ذلك بالجيزة يصلون الجمعة في مسجد همدان وهو مسجد مراحق بن عامر بن بكيل كان يجمع فيه الجمعة في الجيزة وشارف بناء هذا الجامع الخازن أبو الحسن بن أبي جعفر الطحاويّ واحتاجوا إلى عمد للجامع فمضى الخازن في الليل إلى كنيسة بأعمال الجيزة فقلع عمدها ونصب بدلها أركانًا وحمل العمد إلى الجامع فترك أبو الحسن بن الطحاويّ الصلاة فيه مذ ذاك تورّعًا‏.‏

قال اليمنيّ‏:‏ وقد كان ابن الطحاويّ يصلي في جامع الفسطاط العتيق وبعض عمده أو أكثرها ورخامه من كنائس الإسكندرية وأرياف مصر وبعضه بناه مرّة بن شريك عامل الوليد بن عبد الملك ويقال‏:‏ إنّ بالجيزة قبر كعب الأحبار وإنه كان بها أحجار ورخام قد صوّرت فيها التماسيح فكانت لا تظهر فيما يلي البلد من النيل مقدار ثلاثة أميال علوًا وسفلًا‏.‏

وفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة منع الملك الناصر محمد بن قلاون الوزير أن يتعرّض إلى شيء مما يتحصل من مال الجيزة فصار جميعه يُحمل إليه‏.‏

قال القضاعيّ‏:‏ سجن يوسف عليه السلام ببوصير من عمل الجيزة أجمع أهل المعرفة من أهل مصر على صحة هذا المكان وفيه أثر نبيين أحدهما يوسف سُجن به المدة التي ذكر أن مبلغها سبع سنين وكان الوحي ينزل عليه فيه وسطح السجن موضع معروف بإجابة الدعاء يُذكر أن كافور الإخشيديّ سأل أبا بكر بن الحدّاد عن موضع معروف بإجابة الدعاء ليدعو فيه‏.‏

فأشار عليه بالدعاء على سطح السجن والذيّ الآخر موسى عليه السلام وقد بنى على أثره مسجد هناك يعرف بمسجد موسى‏.‏

أخبرنا أبو الحسن عليّ بن إبراهيم الشرفيّ بالشرف قال‏:‏ حدّثنا أبو محمد عبد الله بن الورد وكان قد هلكت أخته وورث منها مورثًا وكنا نسمع عليه دائمًا وكان لسجن يوسف وقت يمضي الناس إليه يتفرّجون فقال لنا يومًا‏:‏ يا أصحابنا هذا أوان السجن ونريد أن نذهب إليه وأخرج عشرة دنانير فناولها لأصحابه وقال لهم‏:‏ ما اشتهيتموه فاشتروه فمضى أصحاب الحديث واشتروا ما أرادوا وعدّينا يوم أحد الجيزة كلنا وبتنا في مسجد همدان فلما كان الصباح مشينا حتى جئنا إلى مسجد موسى وهو الذي في السهل ومنه يطلع إلى السجن وبينه وبين السجن تل عظيم من الرمل فقال الشيخ‏:‏ من يحملني ويطلع بي إلى هذا السجن حتى أحدّثه بحديث لا أحدّثه لأحد بعده حتى تفارق روحي الدنيا‏.‏

قال الشرفيّ‏:‏ فأخذت الشيخ وحملته حتى صرت في أعلاه فنزل وقال‏:‏ معك ورقة‏.‏

قلت‏:‏ لا قال‏:‏ أبصر لي بلاطة فأخذ فحمة وكتب‏:‏ حدّثني يحيى بن أيوب عن يحيى بن بكير عن زيد بن أسلم بن يسار عن ابن عباس قال‏:‏ إنّ جبريل أتى إلى يوسف في هذا السجن في هذا البيت المظلم فقال له يوسف‏:‏ من أنت الذي مذ دخلت السجن ما رأيت أحسن وجهًا منك فقال له‏:‏ أنا جبريل فبكى يوسف فقال‏:‏ ما يبكيك يا نبيّ الله فقال‏:‏ إيش يعمل جبريل في مقام المذنبين‏.‏

فقال‏:‏ أما علمت أنّ الله تعالى يطهر البقاع بالأنبياء والله لقد طهر الله بك السجن وما حوله فما أقام إلى آخر النهار حتى أخرج من السجن‏.‏

قال القضاعيّ‏:‏ سقط بين يحيى وزيد رجل وقال الفقيه أبو محمد أحمد بن محمد بن سلامة الطحاويّ وذكر سجن يوسف لو سافر الرجل من العراق ليصلي فيه وينظر إليه لما عنفته في وذكر المُسَبحيّ‏:‏ في حوادث شهر ربيع الأوّل سنة خمس عشرة وأربعمائة أنّ العامّة والسوقة طافت بمصر بالطبول والبوقات يجمعون من التجار وأرباب الأسواق ما ينفقونه في مضيهم إلى سجن يوسف فقال لهم التجار‏:‏ شغلنا بعدم الأقوات يمنعنا من هذا وكان قد اشتدّ الغلاء وأنهوا حالهم إلى الحضرة المطهرة يعني أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله أبا الحسن عليّ بن الحاكم بأمر الله فرسم لنائب الدولة أبي طاهر بن كافي متولي الشرطة السفلي‏:‏ الترسيم على التجار حتى يدفعوا إليهم ما جرت به رسومهم ورسم لهم بالخروج إلى سجن يوسف ووعدوا أن يطلق لهم من الحضرة ضعف ما أطلق لهم في السنة الماضية من الهبة فخرجوا وفي يوم السبت لتسع خلون من جمادى الأولى ركب القائد الأجل عز الدولة وسناها معضاد الخادم الأسود في سائر الأتراك ووجوه القوّاد وشق البلد ونزل إلى الصناعة التي بالجسر بمن معه ثم خرج من هناك وعدّى في سائر عساكره إلى الجيزة حتى رتب لأمير المؤمنين عساكر تكون معه مقيمة هناك لحفظه لأنه عدّى يوم الاثنين لإحدى عشرة خلت منه في أربع عشاريات وأربع عشرة بغلة من بغال النقل وفي جميع من معه من خاصته وحرمه إلى سجن يوسف عليه السلام وأقام هناك يومين وليلتين إلى أن عاد الرمادية الخارجون إلى السجن بالتماثيل والمضاحك والحكايات والسماجات فضحك منهم واستظرفهم وعاد إلى قصره بكرة يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت منه وأقام أهل الأسواق نحو الأسبوعين يطرقون الشوارع بالخيال والسماجات والتماثيل ويطلعون إلى القاهرة بذلك ليشاهدهم أمير المؤمنين ويعودون ومعهم سجل قد كتب لهم أن لا يعارض أحد منهم في ذهابه وعوده وأن يعتمد إكرامهم وصيانتهم ولم يزالوا على ذلك إلى أن تكامل جميعهم وكان دخولهم من سجن يوسف يوم السبت لأربع عشرة بقيت من جمادى الأولى وشقوا الشوارع بالحكايات والسماجات والتماثيل فتعطل الناس في ذلك اليوم عن أشغالهم ومعايشهم واجتمع في الأسواق خلق كثير لنظرهم وظل الناس أكثر هذا اليوم على ذلك وأطلق لجميعهم ثمانية آلاف درهم وكانوا اثني عشر سوقًا ونزلوا مسرورين وبخارج مدينة الجيزة موضع يعرف بأبي هريرة فيظنّ من لا علم له أنه أبو هريرة الصحابيّ وليس كذلك بل هو منسوب إلى ابن ابنته‏.‏

ذكر قرية ترسا قال القضاعيّ‏:‏ وذكر أنّ القاسم بن عبيد الله بن الحبحاب عامل هشام بن عبد الملك لمى خراج مصر بنى في الجيزة قرية تعرف بترسا‏.‏

والقاسم هذا خرج إلى مصر وولي خلافة عن أبيه عبيد الله بن الحبحاب السلوليّ على الخراج في خلافة هشام بن عبد الملك ثم أمَّره هشام على خراج مصر حين خرج أبوه إلى إمارة إفريقية في سنة ست عشرة ومائة فلم يزل إلى سنة أربع وعشرين ومائة فنزع عن مصر وجمع لحفص بن الوليد عربها وعجمها فصار يلي الخراج والصلاة معًا وبترسا هذه كانت وقعة هارون بن محمد الجعديّ‏.‏

ذكر منية أندونة هي إحدى قرى الجيزة عرفت بأندونة كاتب أحمد المدايني الذي كان يتقلد ضياع موسى بن بغا التي بمصر مقبض أحمد بن طولون على أندونة هذا وكان نصرانيًا فأخذ منه خمسين ألف دينار‏.‏

ذكر وسيم قال ابن عبد الحكم‏:‏ وخرج عبد الله بن عبد الملك بن مروان أمير مصر إلى وسيم وكانت لرجل من القبط فسأل عبد الله أن يأتيه إلى منزله ويجعل له مائة ألف دينار فخرج إليه عبد الله بن عبد الملك وقيل‏:‏ إنما خرج عبد الله إلى قرية أبي النمرس مع رجل من الكتاب يقال له‏:‏ ابن حنظلة فأتى عبد الله العزل وولاية قرّة بن شريك وهو هناك فلما بلغه ذلك قام ليلبس سراويله فلبسه منكوسًا وقيل‏:‏ إنّ عبد الله لمَّا بلغه العزل رد المال على صاحبه وقال‏:‏ قد عزلنا وكان عبد الله قد ركب معه إلى المعديّة وعدى أصحابه قبله تأخر فورد الكتاب بعزله فقال صاحب المال‏:‏ والله لا بدّ أن تشرّف منزلي وتكون ضيفي وتأكل طعامي ووالله لا عاد لي شيء من ذلك ولا أدعك منصرفًا فعدى معه‏.‏

ذكر منية عقبة هذه القرية بالجيزة عرفت بعقبة بن عامر الجهنيّ رضي الله عنه‏.‏

قال ابن عبد الحكم‏:‏ كتب عقبة بن عامر إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما يسأله أرضًا يسترقق فيها عند قرية عقبة فكتب له معاوية بألف ذراع في ألف ذراع فقال له مولى له‏:‏ كان عنده انظر أصلحك الله أرضًا صالحة فقال عقبة‏:‏ ليس لنا ذلك إنَ في عهدهم شروطًا ستة منها أن لا يؤخذ من أرضهم شيء ولا من نسائهم ولا من أولادهم ولا يُزاد عليهم ويدفع عنهم موضع الخوف من عدوّهم وأنا شاهد لهم بذلك‏.‏

وفي رواية‏:‏ كتب عقبة إلى معاوية يسأله نقيعًا في قرية يبني فيه منازل ومساكن فأمر له معاوية بألف ذراع في ألف ذراع فقال له مواليه ومن كان عنده‏:‏ انظر إلى أرض تعجبك فاختط فيها وابتن فقال‏:‏ إنه ليس لنا ذلك لهم في عهدهم ستة شروط منها أن لا يؤخذ من أرضهم شيء ولا يزاد عليهم ولا يكلفوا غير طاقتهم ولا يؤخذ ذراريهم وأن يقاتل عملهم عدوّهم من ورائهم‏.‏

قال أبو سعيد بن يونس‏:‏ وهذه الأرض التي اقتطعها عقبة هي‏:‏ المنية المعروفة بمنية عقبة في جيزة فسطاط مصر‏.‏

عقبة بن عامر بن عيسى بن عمرو بن عميّ بن عمرو بن رفاعة بن مودوعة بن عديّ بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة كذا نسبه أبو عمرو الكنديّ‏.‏

وقال الحافظ‏:‏ أبو عمر بن عبد البر عقبة بن عامر بن حسن الجهنيّ من جهينة بن زيد بن مسود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وقد اختلف في هذا النسب يكنى‏:‏ أبا حماد وقيل‏:‏ أبا أسد وقيل‏:‏ أبا عمرو وقيل‏:‏ أبا سعاد وقيل‏:‏ أبا الأسود‏.‏

وقال خليفة بن خياط‏:‏ قتل أبو عامر عقبة بن عامر الجهنيّ يوم النهروان شهيدًا وذلك سنة ثمان وثلثين وهذا غلط منه وفي كتابه بعد وفي سنة ثمان وخمسين توفي عقبة بن عامر الجهنيّ قال‏:‏ سكن عقبة بن عامر مصر وكان واليًا عليها وابتنى بها دارًا وتوفي في آخر خلافة معاوية روى عنه من الصحابة جابر وابن عباس وأبو أمامة ومسلمة بن مخلد وأما رواته وقال الكنديّ‏:‏ ثم وليها عقبة بن عامر من قبل معاوية وجمع له صلاتها وخراجها فجعل على شرطته حمادًا وكان عقبة قارئًا فقيهًا فرضيًا شاعرًا له الهجرة والصحبة السابقة وكان صاحب بغلة رسول الله الشهباء الذي يقودها في الأسفار وكان صرف عقبة من مصر بمسلمة بن مخلد لعشر بقين من ربيع الأوّل سنة أربعين فكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر‏.‏

وقال ابن يونس‏:‏ توفي بمصر سنة ثمان وخمسين ودفن في مقبرتها بالمقطم وكان يخضب بالسواد رحمه الله تعالى‏.‏

ذكر حلوان يقال‏:‏ إنها تنسب إلى حلوان بن بابليون بن عمرو بن امرئ القيس ملك مصر بن سائب بن يشجب بن يعرب بن قحطان وكان حلوان هذا بالشام على مقدّمة أبرهة في المنار أحد التبابعة‏.‏

قال ابن عبد الحكم‏:‏ وكان الطاعون قد وقع بالفسطاط فخرج عبد العزيز بن مروان من الفسطاط فنزل بحلوان داخلًا في الصحراء في موضع منها يقال له‏:‏ أبو قرقورة وهو رأس العين التي احتفرها عبد العزيز بن مروان وساقها إلى نخيلة التي غرسها بحلوان فكان ابن خديج يرسل إلى عبد العزيز في كل يوم بخبر ما يحدث في البلد من موت وغيره فأرسل إليه ذات يوم رسولًا فأتاه فقال له عبد العزيز‏:‏ ما اسمك‏.‏

فقال‏:‏ أبو طالب فثقل ذلك على عبد العزيز وغاظه فقال له عبد العزيز‏:‏ أسألك عن اسمك فتقول أبو طالب ما اسمك فقال‏:‏ مدرك فتفاءل بذلك ومرض في مخرجه ذلك ومات هنالك فحمل في البحر يُراد به الفسطاط حتى تغير فأنزل في بعض خصوص ساحل مريس فغسل فيه وأخرجت من هنالك جنازته وخرج معه بالمجامر فيها العود لما كان قد تغير من ريحه وأوصى عبد العزيز أن يُمرّ بجنازته إذا مات على منزل جناب بن مرثد بن زيد بن هانئ الرعينيّ صاحب حرسه وكان صديقًا له وقد توفي قبل عبد العزيز فمر بجنازته على باب جناب وقد خرج عيال جناب ولبسن السواد ووقفن على الباب صائحات ثم اتبعنه إلى المقبرة وكان لنصيب من عبد العزيز ناحية فقدم عليه في مرضه فأذن له فلما رأى شدة مرضه أنشأ يقول‏:‏ ونزور سيدنا وسيد غيرنا ليت التشكي كان بالعوّاد لو كان يقبل فدية لفديته بالمصطفى من طارفي وتلادي فلما سمع صوته فتح عينيه وأمر له بألف دينار واستبشر بذلك آل عبد العزيز وفرحوا به ثم مات‏.‏

وقال الكندي‏:‏ ووقع الطاعون بمصر في سنة سبعين فخرج عبد العزيز بن مروان منها إلى الشرقية منتديًا فنزل حلوان فأعجبته فاتخذها وسكنها وجعل بها الحرس والأعوان والشرط فكان عليهم جناب بن مرثد بحلوان وبنى عبد العزيز بحلوان الدور والمساجد وعمرها أحسن عمارة وأحكمها وغرس نخلها و رمها فقال ابن قيس الرقيات‏:‏ سقيًا لحلوان في الكروم وما صنف من تينه ومن عنبه نخل مواقير بالفناء من ال برنيّ يهتز ثم في سربه ولما غرس عبد العزيز نخل حلوان وأطعم دخله والجند معه فجعل يطوف فيه ويقف على غروسه ومساقيه فقال يزيد بن عروة الجملي‏:‏ ألا قلت أيها الأمير كما قال العبد الصالح‏:‏ ما شاء الله لا قوّة إلا بالله فقال‏:‏ أذكرتني شكرًا يا غلام قل لأنيتاس‏:‏ يزيدُ في عطائه عشرة دنانير‏.‏

عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيّ الأمويّ أبو الأصبغ أمّه ليلى ابنة زبان بن الأصبغ الكنديّ روى عن أبي هريرة وعقبة بن عامر الجهني وروى عنه عليّ بن رباح وبحير بن داخرة وعبيد الله بن مالك الخولانيّ وكعب بن علقمة ووثقه النسائي وابن سعد‏.‏

ولما سار أبوه مروان إلى مصر بعثه في جيش إلى أيلة ليدخل مصر من تلك الناحية فبعث إليه ابن جحدم أمير مصر بجيش عليهم‏:‏ زهير بن قيس البلويّ فلقي عبد العزيز ببصاق وهي سطح عقبة أيلة فقاتله فانهزم زهير ومن معه فلما غلب مروان على مصر في جمادى الآخرة سنة خمس وستين جعل صلاتها وخراجها إلى ابنه عبد العزيز بعدما أقام بمصر شهرين فقال عبد العزيز‏:‏ يا أمير المؤمنين كيف المقام ببلد ليس به أحد من بني أبي‏.‏

فقال له مروان‏:‏ يا بني عُمهم بإحسانك يكونوا كلهم بني أبيك واجعل وجهك طلقًا تصف لك مودّتهم وأوقع إلى كل رئيس منهم إنه خاصتك دون غيره يكن لك عينًا على غيره وينقاد قومه إليك وقد جعلت معك أخاك بشرًا مؤنسًا وجعلت لك موسى بن نصير وزيرًا أو مشيرًا وما عليك يا بنيّ أن تكون أميرًا بأقصى الأرض أليس ذلك أحسن من إغلاق بابك وخمولك في منزلك وأوصاه عند مخرجه من مصر إلى الشام فقال‏:‏ أوصيك بتقوى الله في سرّ أمرك وعلانيته فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأوصيك أن لا تجعل لداعي الله عليك سبيلًا فإن المؤذن يدعو إلى فريضة افترضها الله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا وأوصيك أن لا تعد الناس موعدًا إلا أنفذته لهم وإن حملته على الأسنة وأوصيك أن لا تعجل في شيء من الحكم حتى تستشير فإن الله لو أغنى أحدًا عن ذلك لأغنى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم عن ذلك بالوحي الذي يأتيه قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وشاورهم في الأمر ‏"‏ آل عمران‏.‏

وخرج مروان من مصر لهلال رجب سنة خمس وستين فوليها عبد العزيز على صلاتها وخراجها وتوفي مروان لهلال رمضان وبويع ابنه عبد الملك بن مروان فأقرّ أخاه عبد العزيز ووفد على عبد الملك في سنة سبع وستين وجعل له الحرس والخيل والأعوان جناب بن مرثد الرعينيّ فاشتد سلطانه وكان الرجل إذا غلظ لعبد العزيز وخرج تناوله جناب ومن معه فضربوه وحبسوه وعبد العزيز أوّل من عَرف بمصر في سنة إحدى وسبعين‏.‏

قال يزيد بن أبي حبيب‏:‏ أوّل من أحدث القعود يوم عرفة في المسجد بعد العصر عبد العزيز بن مروان‏.‏

وفي سنة اثنتين وسبعين صرف بعث البحر إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير وجعل عليهم مالك بن شرحبيل الخولانيّ وهم‏:‏ ثلاثة آلاف رجل فيهم‏:‏ عبد الرحمن بن بحنس مولى ابن أبزى وهو الذي قتل ابن الزبير وخرج إلى الإسكندرية في سنة أربع وسبعين ووفد على أخيه عبد الملك في سنة خمس وسبعين وهدم جامع الفسطاط كله وزاد فيه من جوانبه كلها في سنة سبع وسبعين وأمر بضرب الدنانير المنقوشة‏.‏

وقال ابن عفير‏:‏ كان لعبد العزيز ألف جفنة كل يوم تنصب حول داره وكانت له مائة جفنة يُطاف بها على القبائل تُحمل على العجل وكتب عبد الملك إليه أن ينزل له عن ولاية العهد ليعهد إلى الوليد وسليمان فأبى ذلك وكتب إليه إن يكن لك ولد فلنا أولاد ويقضي الله ما يشاء فغضب عبد الملك وقال‏:‏ فرّق الله بيني وبينه فلم يزل به عليّ حتى رضي فقدم على عبد العزيز فأخبره عن عبد الملك وعن حاله ثم أخبره بدعوته فقال‏:‏ أفعل أنا والله مفارقه واللّه ما دعا دعوة قط إلا أجيبت وكان عبد العزيز يقول‏:‏ قدمت مصر في إمرة مسلمة بن مخلد فتمنيت بها ثلاث أمانيّ فأدركتها تمنيت ولاية مصر وأن أجمع بين امرأتي مسلمة ويحجبني قيس بن كليب حاجبه فتوفي مسلمة وتدم مصر فوليها وحجبه قيس وتزوج امرأتي مسلمة وتوفي ابنه الأصبغ بن عبد العزيز لتسع بقين من ربيع الآخر سنة ست وثمانين فمرض عبد العزيز وتوفي ليلة الإثنين لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ست وثمانين فحمل في النيل من حلوان إلى الفسطاط فدفن بها‏.‏

وقال ابن أبي مليكة‏:‏ رأيت عبد العزيز بن مروان حين حضره الموت يقول‏:‏ ألا ليتني لم أك شيئًا مذكورًا ألا ليتني كنابتة من الأرض أو كراعي إبل في طرف الحجاز ولما مات لم يوجد له مال ناض إلا سبعة آلاف دينار وحلوان والقيسارية وثياب بعضها مرقوع وخيل ورقيق وكانت ولايته على مصر عشرين سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يومًا ولم يلها في الإسلام قبله أطول ولاية منه‏.‏

وكان بحلوان في النيل معدية من صوّان تُعدّي بالخيل تحمل فيها الناس وغيرهم من البر الشرقيّ بحلوان إلى البرّ الغربيّ فلما كان وهذا من الأسرار التي في الخليقة فإن جميع الأجسام المعدنية كالحديد والنحاس والفضة والرصاص والنصب والقصدير إذ عمل من شيء منها إناء يسع من الماء أكثر من وزنه فإنه يعوم على وجه الماء ويحمل ما يمكنه ولا يغرق وما برح المسافرون في بحر الهند إذا أظلم عليهم الليل ولم يروا ما يهديهم من الكواكب إلى معرفة الجهات يحملون حديدة مجوّفة على شكل سمكة ويبالغون في ترقيقها جهد المقدرة ثم يعمل في فم السمكة شيء من مغناطيس جيدًا ويحك فيها بالمغناطيس فإن السمكة إذا وضعت في الماء دارت واستقبلت القطب الجنوبيّ بفمها واستدبرت القطب الشماليّ وهذا أيضًا من أسرار الخليقة فإذا عرفوا جهتي الجنوب والشمال تبين منهما المشرق والمغرب فإن من استقبل الجنوب فقد استدبر الشمال وصار المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره فإذا تحدّدت الجهات الأربع عرفوا مواقع البلاد بها فيقصدون حينئذٍ جهة الناحية التي يريدونها‏.‏

ذكر مدينة العريش العريش مدينة فيما بين أرض فلسطين وإقليم مصر وهي مدينة قديمة من جملة المدائن التي اختطت بعد الطوفان‏.‏

قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه‏:‏ عن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام وكان غلامًا مرفهًا فلما قرب من مصر بنى له عريشًا من أغصان الشجر وستره بحشيش الأرض ثم بنى له بعد ذلك في هذا الموضع مدينة وسمَّاها‏:‏ عرسان أي‏:‏ باب الجنة فزرعوا وغرسوا الأشجار والجنان من عرسان إلى البحر فكانت كلها زروعًا وجنانًا وعمارةً‏.‏

وقال آخر‏:‏ إنما سُميت بذلك لأنّ بيصر بن حام بن نوح تحمَّل في ولده وهم أربعة ومعهم أولادهم فكانوا ثلاثين ما بين ذكر وأنثى وقدم ابنه مصر بن بيصر أمامه نحو أرض مصر حتى خرج من حدّ الشام فتاهوا وسقط مصر في موضع العريش وقد اشتدّ تعبه ونام فرأى قائلًا يبشره بحصوله في أرض ذات خير ودر وملك وفخر فانتبه فزعًا فإذا عليه عريش من أطراف الشجر وحوله عيون ماء فحمد الله وسأله أن يجمعه بأبيه وإخوته وأن يبارك له في أرضه فاستجيب له وقادهم الله إليه فنزلوا في العريش وأقاموا به فأخرج الله لهم من البحر دوابّ ما بين خيل وحمر وبقر وغنم وإبل فساقوها حتى أتوا موضع مدينة منف فنزلوه وبنوا فيه قرية سُميت بالقبطية‏:‏ مافة يعني قرية ثلاثين فنمت ذرية بيصر حتى عمروا الأرض وزرعوا وكثرت مواشيهم وظهرت لهم المعادن فكان الرجل منهم يستخرج القطعة من الزبرجد يعمل منها مائة كبيرة ويخرج من الذهب ما تكون القطعة منه مثل الأسطوانة وكالبعير الرابض‏.‏

وقال ابن سعيد عن البيهقيّ‏:‏ كان دخول إخوة يوسف وأبويه عليهم السلام عليه بمدينة العريش وهي أوّل أرض مصر لأنه خرج إلى تلقيهم حتى نزل المدينة بطرف سلطانه وكان له هناك عرش وهو سرير السلطنة فأجلس أبويه عليه وكانت تلك المدينة تسمى في القديم بمدينة العرش لذلك ثم سمتها العامّة مدينة العريش فغلب ذلك عليها‏.‏

ويقال‏:‏ إنه كان ليوسف عليه السلام حرس في أطراف أرض مصر من جميع جوانبها فلما أصاب الشام القحط وسارت إخوة يوسف لتمتار من مصر أقاموا بالعريش وكتب صاحب الحرس إلى يوسف إن أولاد يعقوب الكنعانيّ يريدون البلد لقحط نزل بهم فعمل إخوة يوسف عند ذلك عرشًا يستظلون به من الشمس حتى يعود الجواب فسمى الموضع العريش وكتب يوسف بالإذن لهم فكان من شأنهم ما قد ذكر في موضعه ويقال للعرش‏:‏ ألج فهذا كما ترى وابن وصيف شاه أعرف بأخبار مصر‏.‏